مخالفات ومحاذير شرعية في قصيدة قمر سيدنا النبي
فقد حذَّرنا في مقالٍ سابق من قصيدة المسك فاح التي ذاعت وانتشرت بين المسلمين، وبيَّنا ما فيها من مخالفات. وفي هذا المقال المتواضع نبين كذلك ما وقع من أخطاء في قصيدة قمر سيدنا النبي (قمرون سيدنا النبي) والتي لا تقل انتشاراً وشهرة عن قصيدة المسك فاح بل تزيد
مَن هو مؤلف قصيدة قمر (قمرون) سيدنا النبي؟
وهذه الأنشودة - قمر سيدنا النبي وجميل سيدنا النبي - ألَّفها ونظمها الشاعر السوري الأصل: طارق العربي وهو يُنسب الى الصوفية وله بعض القصائد الأخرى المشهورة والمنتشرة في العالم الاسلامي مثل أغنية وانشودة "ماشي في حب الله بادعي وأقول يا رب" والتي أنشدها الشيخ النقشبندي. ومن مؤلفات طارق العربي أيضاً أنشودة " يا طيبة" المشهورة التي تنشدها: هالة الصباغ.
ونحن نحسن الظن بالكثير ممن يُنشِدون هذه القصيدة - قمر سيدنا النبي - ونحسبهم أرادوا التعبير عن حبهم وتقديرهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومكانته في النفوس، غير أنهم لم يعلموا ما تنطوي عليه القصيدة من مخالفات ومبالغات والتي سوف أبين بعضها بإيجاز في السطور التالية.
1- قوله ( ولا ظل له بل كان نوراً )
في قوله (ولا ظل له بل كان نوراً) ملاحظتان،
أولاهما: الإدعاء بأن النبي لا ظل له وهو قول لا دليل عليه لا من كتاب ولا من سنة وإن كان يُنسَب إلى بعض أهل العلم مثل البهوتي الحنبلي في الكشاف والزرقاني المالكي في شرحه على المواهب اللدنية وغيرهم. ولكن لم يرد في ذلك حديث صحيح صريح بل ما صح على خلاف ذلك من أنه بشر مثل البشر إلا ما اختصه الله به تعالى من خصائص وبما فضله الله تعالى به من فضائل.
وثانيهما: القول بأنه صلى الله عليه وسلم كان نوراً أي لم يكن بشراً كسائر البشر في خلقه وهو المقصود في القصيدة لأنه جاء بعد قوله لا ظل له، ولو كان المقصود أنه عليه الصلاة والسلام نور بمعنى أنه هداية للناس و نور للعالمين برسالته فهو صلى الله عليه وسلم كذلك.
وما يذكرونه من حديث علىَّ بن أبي طالب رضي الله عنه من أن النبي صلى الله عليه وسلم خُلِق من نور فهو حديث موضوع، بل أمره الله عز وجل أن يقول أنه بشر مثل البشر قال تعالى :( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) وأن ما يميزه عن البشر هو الوحي والرسالة كما في قوله تعالى( يُوْحَى إِلَيَّ ) فهو بشر ولكنه يوحى اليه ولكنه خير البشر.
ولا يمنع ذلك من اختصاصه عليه صلوات الله ببعض الخصائص دون غيره من البشر مما جاءت به الأحاديث الصحيحة مثل اختصاصه بأنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه وكذلك اختصاصه بالشفاعة العظمى يوم القيامة وغيرها مما اختصه الله به .
2- قوله ( تُنَالُ الشمس منه والبدور)
(والوجود أنار بنور طه)
وهذا غلو واضح وجهل فاضح إذ يدعي أن ضوء الشمس والقمر يُستَمَد منه صلى الله عليه وسلم وما ادعى النبي يوماً هذا ولا أخبر به ولا أخبر عنه ربه عز وجل أنه ينير الشمس والقمر ولا أنه ينير الوجود بل الذي أخبرنا به الله عز وجل أن الله هو الذي جعل القمر نوراً والشمس سراجاً كما في قوله تعالى (وجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ) (الآية 16 سورة نوح)
وأنه تبارك وتعالى هو نور السموات والأرض كما أخبر عز وجل عن نفسه ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) (الآية 35 سورة النور).
3- قوله ( وريق المصطفى يشفي العليل )
نعم ريق النبي يشفي العليل بإذن الله فالله تعالى هو الشافي على الحقيقة لا الطبيب ولا ريق النبي لذا كان يجب على الناظم التأدب مع الله ونسبة الشفاء إليه أو بإذنه
فالله عز و جل عندما أخبر عن معجزة عيسى عليه السلام بإبراء الأكمه والأبرص قال تعالى على لسان عيسى (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّه) (الآية 49 آل عمران) وقال تعالى على لسان خليله ابراهيم (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (الآية 80 الشعراء)
4- قوله ( ولم يكن الهدى لوﻻ ظهوره )
وهذا أيضاً من الغلو الفج وسوء الأدب مع الله ومع رسوله إذ حصر الهداية في ظهور النبي عليه الصلاة والسلام وبعثته ولا شك أن بعثة النبي وظهوره هداية للناس وإخراج لهم من الظلمات إلى النور ، ولكن قصر الهداية على ظهوره هو المذموم وإلا فقد أرسل الله من قبله من المرسلين مَن هدى بهم الأمم السابقين .
بل وأمر النبي نفسه أن يقتدي بهدى هؤلاء المرسلين كما قال تعالى
(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) (الأنعام:90)
وهدايته صلى الله عليه وسلم وهداية إخوانه من الرسل ممن جاءوا قبله وهداية كل الداعين الى طريقته وسنته هي هداية الدلالة والبلاغ والإرشاد وهي المقصودة في قوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).
وهناك الهداية التي لا يملكها إلا الله وهي هداية التوفيق والسداد وهي الهداية التي نفاها الله تعالى عن نبيه وعن غيره من باب أولى وهي المقصودة في قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص :56).
فرسول الله هو خير البشر ولكنه كان بشراً
وهو صلوات الله عليه أجمل وأبهى من القمر لكنه لا يضئ الشمس ولا القمر
ورسول الله نور للعالمين برسالته ودعوته ولكنه خُلق مما خُلق منه البشر
و له ظل كما لسائر البشر
وبعثته ورسالته هدايه للناس ولكن الله هو الذي يهدي
من يشاء ويوفقه لطاعته بفضله
هذا وصلِ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
-----------------------------------------------------
هل أعجبك الموضوع ؟
اخبرنا في التعليقات ماذا أعجبك فيه وما لم يعجبك