كيف استفاد المسلمون من فيروس كورونا COVID-19) | Corona Virus)

كيف استفاد المسلمون من فيروس كورونا ؟ 


فيروس كورونا Corona Virus


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده ، وبعد ،
فلا حديث للعالم الآن - وقت كتابة هذا المقال - إلا عن Corona Virus فيروس كورونا (COVID-19) وضحاياه ومصابيه ، ولا يخلو خبر أو تقرير صحفي عن الخسائر الكارثية التي أصابت العالم كله بلا استثناء جراء انتشار هذا الداء العضال الذي تسبب في وفاة مئات الآلاف وإصابة الملايين في العالم كله . 
ولسنا هنا بصدد الحديث عن الخسائر التي خلفها ولا يزال هذا الفيروس المميت في كل المجالات والقطاعات على مستوى العالم ، فهي معلومة ومعروفة ومحسوسة للقاصي والداني للغني والفقير والوزير والغفير والعظيم والحقير .

لكن الذي لا يعلمه كثير من الناس ، والذي لا شك فيه ولا التباس ، أن هذا الوباء بالرغم من كل المصائب والدمار الاقتصادي الذي خلفه إلا أن وراءه خير عظيم ، وفيه فضل عميم ، خاصةً للإسلام للمسلمين .

ولكن كيف ذلك ؟ وكيف استفاد المسلمون من هذا البلاء المبين ؟

قد يبدو الأمر غريباً ومريباً في البداية ، خاصة أنني لن أحدثك عما يتحدث عنه علماء البيئة من تدني نسبة التلوث في الهواء إلى أدنى مستوياتها منذ عقود ، ولن أتطرق إلى تحسن نوعية الهواء في طبقات الجو وتقلص ثقب الأوزون والتآمه ، وكذلك لن أذهب بك إلى التقارير التي تؤكد انتعاش وازدهار كثير من القطاعات الاقتصادية التي استفادت من توقف نشاط الآدميين على مستوى العالم و اضطرارهم للمكوث في منازلهم مثل قطاعات التجارة الالكترونية والتسويق الالكتروني والقطاعات الصحية والطبية وغيرها . دعنا من هذا كله .فكل هذا واكثر يعلمه كثير من الناس .

ولكن لننظر إلى الأمر من وجهة نظر شرعية إسلامية ، ونرى كيف أثر هذا الوباء على المسلمين بالإيجاب بالرغم أنهم جزء من العالم يتأثرون بما يتأثر به وبالرغم من كل الضحايا والمصابين والخسائر الاقتصادية الضخمة .

أولا : أن من أركان الإيمان بالله في العقيدة الإسلامية هو الإيمان بالقضاء والقدر ، وأن قدر الله كله خير علمه مَن علمه وجهله مَن جهله ، وأنه ليس هناك شر محض لا خير فيه ، وأن وقوع الشر هو أمر نسبي قد يراه البعض شراً بحسب علمهم وعقولهم القاصرة وقد يكون فيه لهم ولغيرهم خير عظيم .

وقد عبَّر القرآن العظيم عن هذا المعنى في غير موضع فيه ، منه مثلا قول الله تعالى
" وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " (البقرة 216)
وغيره كثير في القرآن ، وكذلك ورد في السنة الصحيحة ما يؤكد ذلك و يعضده كما في الحديث (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) رواه مسلم
فكما ترى فإن حال المسلم وأمره يتقلب من خير إلى خير 
ومن هنا نعلم أن هذا الوباء وإن بدا أنه شر وضراء إلا أنه خير لمن صبر واحتسب وكان مؤمناً بالله . هذا مبدئياً .

ثانياً : التسليم بقضاء الله وقدره : وأن الإنسان مهما تعلم وتحضر وشرق وغرب فهو لا يخرج عن قدرة الله وسلطانه ، وأن الأمر كله بيد الله يُصرِّفه كيف يشاء ، ومن هنا يعرف الإنسان قدره ويستحضر عبوديته لله عز وجل التي ربما غابت عن قلبه قليلاً او كثيراً وتاهت بين دروب الحياة .

ثالثاً : معاينة إذلال الله عز وجل المتجبرين والمتكبرين من الأفراد والجماعات والدول الذين عاثوا في الأرض فساداً وظنوا أنهم قادرون عليها ،ألا ترى أن الفيروس يتغاضى عن بلاد الفقراء والمساكين ، وينتشر بقوة في قومٍ قالوا بلسان الحال أوالمقال مَن أشد منا قوة ؟ وتباهي بعضهم  بأنهم أمم قاهرة لا يعجزهم شيء في الأرض ولا في السماء ، وكما أهلك الله مَن قبلهم من السابقين المعاندين بجنود ربانية لا قِبَل لهم بها ، أهانهم بأحقر ما يعرفون من خلقه ، بفيروس لا يرونه بأعينهم إلا تحت عدسات المجاهر والمكبرات ، مخلوق صغير كبير، حقير خطير، حير عقولهم وأقلق مضاجعهم وكمم أفواههم وحجرهم في بيوتهم الأيام والليالي لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، يتخبطون في معاملهم وتقاريرهم عن طبيعته وكيف ينتشر ومتى ينتهي ويندثر ، نعم ، فهم لا يعرفون حتى متى ينتهي ، داء عجزوا عن معرفة دوائه مع وجوده هذا الدواء بينهم ، إذ لم يخلق الله داءً إلا له دواء علمه من علمه وجهله من جهله كما صح عن نبينا في الأثر . وحتى كتابة هذه السطور لم يعرفوا دواءه أو حتى متى يمكن أن يعرفوه ، بل كل ما هنالك تصريحات وتجارب وأقاويل تشبه أساطير الأولين . 

رابعاً : كشف هذا الداء للمسلمين خاصة وللعالم عامة زيف الحضارة الغربية والأمريكية وانحطاطها وانحدارها ، 
فها هي دول الغرب يختطفون شحنات الأدوية والأجهزة الطبية والكمامات من بعضهم البعض كالصبيان ، وهاهم الطليان والإنجليز والإسبان يتخلصون من عجائزهم وكبارهم الذين ضاقت بهم المستشفيات ودور المسنين ، فالذين صدعوا العالم بحقوق الإنسان والحيوان لقرون وسنوات ممدودة ، هاهم يتركون عمداً آلاف كبار السن يهلكون في أيام معدودة ، وها هي أمريكا تفضل استمرار عجلة الإنتاج مضحية بأرواح مئات الآلاف من مواطنيها .
نعم الآن أدرك كثير من شبابنا ومثقفينا المخدوعين بهذه الحضارات و تلك الثقافات
أنها حقاً حقارات لا حضارات ، وأنهم أقزام لا أعلام ، فأي خير بعد هذا الخير ؟
خامساً : كورونا عقوبة للمجرمين بما اقترفوه في حق المستضعفين ، فها هم الذين خربوا ديار المسلمين بالأمس وجوعوهم وشردوهم ونهبوا خيراتهم ، باتوا اليوم مقهورين أذلاء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، لا مأوى لهم ولا ملجأ ، نصبوا خيامهم في الطرقات وبنوا مشافيهم في الفلوات ، يعانون وهم مرضى يائسون ما عاناه المسلمون من ويلات الحروب التي أوقدوها ، وعوائلهم التي شردوها ، فلسان حال المستضعفين اليوم يشفي الله صدور قوم مؤمنين .

سادساً : الرجوع إلى الله عز وجل والتضرع له والذل بين يديه وحسن اللجأ إليه وإخلاص الدعاء له ، بعد أن أيقن الناس أنه لا ملجأ ولا منجى منه سبحانه إلا إليه ، وأنه القاهر والقادر وحده على رفع البلاء ودفع الوباء وشفاء المعتلين وحماية الضعفاء والمساكين ، عادت كل هذه المعاني الجميلة التي كادت أن تنتهي بين الناس مع توحش المادة ومتطلبات المدنية وانشغال القلوب والعقول والأبدان عن دعاء الملك الديَّان ، وبات الناس بين خائف وَجِل أن يصيبه ما يصيب الناس من عِلَّة ، وبين مُؤَمِّل مستبشر أن يرفع الله البلاء عن الأمة .
ومتى يعلم الناس أن مَن أغلق محله وتجارته وأعماله لعدة شهور بسبب كورونا يستطيع أن يغلقه بضع دقائق لأداء الصلوات الخمس في المسجد حين ينادى بهن .  

سابعاً : ظهور عظمة الإسلام وشمولية أحكامه ومناسبتها لكل زمان ومكان ، وتعليم الأمة بالوقائع والأحداث ، فالمسائل والأحكام الفقهية وإن كانت موجودة مبثوثة في كتب الفقه والتراث الإسلامي منذ مئات السنين ، إلا أنها الآن صارت واقعاً ملموساً معلوماً للصغار والكبار ، فعلم المسلمون عِظَم دينهم الذي سبق العالم في وضع ضوابط الحجر الصحي ، وأنه لا يورِد مريض على مصح ، وأن نبتعد عن المصابين لئلا نتعادى ، وألا ندخل بلداً وقع فيه الوباء، وألا نخرج من بلدنا إذا أصابها داء ، وغيرها مما جاء به ديننا الحنيف و أرشدنا إليه نبينا الكريم .
 فمتى كان يمكن أن يعرف الناس عظمة دينهم وشموله وسنة رسولهم ، ومتى يتعلم الناس أذان النوازل (ألا صلوا في بيوتكم ..ألا صلوا في رحالكم)؟
ومتى يتعلمون فقه الصلاة في المنازل وكيف يصلي الرجل بأهله وأولاده ؟ ومتى يُعمِّرون بيوتهم وحجراتهم بالصلاة والذكر بعد أن ملأتها أصوات الأغاني ومزامير الشيطان ؟ وأخيراً لا آخراً.. متى يتعلمون كيف يصلون العيد في بيوتهم أئمة بعد أن تعودوا طيلة حياتهم أن يكونوا مأمومين في الصفوف الخلفية ؟ 

ثامناً : التقارب الاجتماعي والتراحم الأسري : فمع انشغال الناس ودورانهم في ترس الحياة قَلَّ الوصال بينهم وبعُدت الشُقة ، حتى أنك ترى الأب يمكث أياماً وليالي لا يجلس مع أبناءه ويتحدث معهم ويعرف مشاكلهم واتجاهاتهم مع أنه يعيش معهم تحت سقف واحد ، بل إن بعضهم قد هجر أولاده سنين طويلة في سفرٍ يطلب فيه الرزق والعيشة الهنيئة له ولأسرته غير مكترثٍ بما يجب عليه نحوهم من مداومة الزيارة والمتابعة عن قرب ، فها هو يرجع مضطراً ليفعل ما كان يجب عليه وفرط فيه .
وها هو الوالد يطمئن على أولاده وأحفاده والولد يصل أبويه الكبار ويخشى عليهم ويرعاهم، وها هم الناس يتكاتفون لرعاية الفقراء والمساكين ممن انقطع عملهم وقلت أرزاقهم بسبب الحجر والوباء. ناهيك عن حل كثير من النزاعات بسبب تضامن الناس مع بعضهم في مواجهة هذا الوباء.

تاسعاً : إعادة ترتيب طبقات المجتمع وفئاته : فعرف الناس قيمة العلم والعلماء ، فتصدر الأطباء والعلماء والدعاة المشهد وقد كانوا قبل شبه مُهَمَّشين لا ناصر لهم ، وتقدَّم أهل الدعوة والدين يُصبِّرون الناس ويُعلِّمونهم فقه النوازل ، وانزوَى واندحر التافهون المفسدون إلى جحورهم ، ودخل النمل مساكنهم ، ولو لم يكن في هذا الوباء من الخير إلا هذا الأمر لكفى وشفى .

عاشراً : انتشار فيروس كورونا كان أكبر صفعة على وجه الملحدين والمعاندين : فببعدهم عن المنهج الرباني عاثوا في الأرض الفساد ، وبقذاراتهم نشروا الأمراض وشردوا العباد ، يأكلون الكلاب والخفافيش ويتركون الطيب من المطعم والعيش ،

هاهم وقفوا حائرين عاجزين ، في أيام انهارت ماديتهم أمام مخلوقٍ لا يكادون يرونه بأعينهم ، لا رب لهم فيدعونه ولا إله لهم فيرجونه ، ولا نصير لهم فيستغيثونه ، إن ماتوا فهم والدواب سواء (بزعمهم) وإن عاشوا فقد فقدوا الأصحاب والآباء ، فأي عيش يطيب وقد فقدوا كل حبيب ؟ فلا جنة بزعمهم تُرتجى ولا نار عندهم تُتقى ، فبئس حياتهم وبئس الممات .

وأخيراً لا آخراً ...الوباء رحمة للمؤمنين وعذاباً للكافرين وتذكيراً للعاصين المذنبين ، وتخويفاً للناس أجمعين ، جاء هذا في قرآننا المبين وصح ذلك في الأحاديث عن سيد المرسلين ، صلى الله عليه وآله وصحبه والتابعين .

-----------------------------------------------

هل أعجبك هذا الموضوع ؟
أخبرنا في تعليق ما أعجبك فيه وما لم يعجبك




google-playkhamsatmostaqltradent